الأستاذة سليمة فراجي توضح بخصوص مدونة الأسرة..

الكل يفتي والكل يفسر والبعض يستبق الاحداث ليصرح ان مدونة الاسرة قد عُدلت !

وليعلم الجميع ان المدونة لم تعدل بعد ، على اعتبار ان المشاورات التشاركية الواسعة، سترفع الى أمير المؤمنين، في أجل أقصاه ستة أشهر،في افق اعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان، وطبعا لن يصبح ساري المفعول ويدخل حيز التنفيذ الا بعد المصادقة عليه !

للاشارة منذ توجيه ملك البلاد رسالة الى السيد رئيس الحكومة تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة تفعيلا لخطاب العرش لسنة 2022 وإسناد هذه المهمة بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع مع اشراك بشكل وثيق الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين ، و منذ صدور البلاغ المذكور ، بادرت مجموعة من المدونيين وراود مواقع التواصل ومختلف الشرائح الى التخويف والترويج لمقتضيات غير موجودة اصلا ، وانتقاد تعديلات هي في حكم العدم لعدم طرحها بعد للدرس والتحليل من طرف الجهات المعنية قبل عرضها على البرلمان من اجل المصادقة عليها ، وراح البعض يحرض الشباب على عدم الزواج والبعض الاخير يتنبأ بطرد المطلقة لعائلة الزوج من بيت الزوجية المملوك لعائلته ، ويفسر البعض ان كل الحقوق ستمنح للزوجة في الوقت الذي يتحمل فيه الزوج الواجبات فقط والحال ان الهدف المقصود وكما جاء في مختلف الخطابات الملكية السامية هو الحفاظ على مصالح المرأة والرجل والطفل اي الاسرة المغربية ككل وان المراجعة والتعديل يستندان الى التحولات التي عرفها المغرب والتي تتطلب مواكبة القوانين لكل المستجدات ضمانا لكرامة المواطن واستقرار الأسرة.

علما ان النقاش العمومي منذ خطاب 2022 تناول بالدرس والتحليل ثغرات المدونة الحالية وكذا عدم تفعيل بعض النصوص وضرورة تعديل نصوص اخرى ابانت عن نقص او اجحاف او عدم ملاءمة مع مستجدات العصر ، كزواج القاصر ، والولاية على الأبناء ، وثبوت الزوجية المنصوص عليه في المادة 16 التي شرعت لفترة انتقالية ، وعدم جدوى مسطرة الصلح ، وارتفاع نسبة الطلاق ، واشكالية زواج الحاضنة ، و اقتسام الاموال المكتسبة اثناء فترة الزواج و عدم تمكين طالبة التطليق للشقاق بمستحقات المتعة ، وملاءمة النص القانوني مع الاجتهاد القضائي ، وضرورة تعديل بعض النصوص مثلا تعديل المادة 152 من مدونة الاسرة باضافة الى اسباب لحوق النسب الثلاث الخبرة الجينية التي تؤكد بان الولد المجهول النسب المقر به ، ابن لطالب اجرائها ،علما ان الاسباب الثلاث هي الفراش والاقرار والشبهة ، وغيرها من النصوص التي ستكون محل نقاش مستفيض في اطار مقاربة تشاركية حقيقية

للاشارة فان النظام القانوني في المغرب يتفاعل مع المبادئ الدينية المتجذرة في الثقافة والتاريخ المغربي إذ تمتاز البلاد بتعددية ثقافاتها وتنوع مقومات هويتها الوطنية الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية الاسلامية والامازيغية والصحراوية الحسانية والغنية بروافدها الافريقية والاندلسية والعبرية والمتوسطية ، وقد تطور النظام القانوني والدستوري ليستوعب هذا التنوع ويضمن حماية حقوق المواطنين بما يتماشى مع المعايير الديمقراطية والقيم الإسلامية.مع الانفتاح على القيم الكونية

و اذا رجعنا الى عهد ما قبل الاستعمار نجد ان الاسلام هو المرتكز الوحيد لحكم السلطان ، وبعد إجلاء سلطات الاحتلال تكرست السلطة التقليدية للسلطان من جهة وسلطة الملك كرئيس للدولة من جهة اخرى بمؤسسات وإدارة حديثة في ظل ملكية دستورية ديموقراطية واجتماعية .
و يعود تاريخ التفاعل بين الدين والقانون في المغرب إلى قرون عديدة، حيث أن الإسلام يشكل جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية اذ تطورت المؤسسات القانونية المغربية وتعايشت مع القيم والمبادئ الإسلامية في قوانينها وأنظمتها القضائية
و يعد الدستور المغربي من أهم المرجعيات القانونية في البلاد، ويحظى بتوافق واسع بين مكونات الشعب المغربي. يتضمن الدستور تأكيدًا على دور الإسلام كدين رسمي للدولة وعلى حماية حرية المعتقد والممارسة الدينية لجميع المواطنين. كما يؤكد الدستور على مبدأ سيادة القانون ومبدأ المساواة أمام القانون
و منذ حوالي ستين سنة، خضع المغرب لتغييرات دستورية هامة ورغم جميع التطورات فإن جميع الدساتير من 1962 الى 2011 اكدت ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة و ان المغرب هو دولة ذات غالبية مسلمة، والإسلام هو الدين الرسمي للبلاد. وقد شهد المغرب تطورات في ممارسة الدين وفهمه على مر العقود الستة الماضية.
في السنوات الأخيرة، ركزت الحكومة المغربية على تعزيز الممارسة المعتدلة للإسلام وتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي بين الأديان المختلفة في تركيز على كون الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الاسلامي مكانة الصدارة فيها في ظل تشبت الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات

لذلك فان المنحى ليس هو تغليب طرف على آخر وانما مواكبة المدونة للمستجدات والتحولات الرامية الى حماية كرامة المواطنين نساء ورجالا واطفالا وصيانة الدعامة المجتمعية والنواة الاولى التي هي الأسرة ومواجهة انهيار منظومة القيم.

بقلم: الأستاذة سليمة فراجي محامية ونائبة برلمانية سابقا..

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المزيد