بوابة المغرب الشرقي
يعتبر البنك المركزي المغربي، أن رفع مستوى سعر الفائدة هو الحل والدواء، باعتباره الآلية الأنجع التي ستؤدي الى كبح الطلب لتخفيف الاستهلاك، وبالتالي كبح التضخم. فهذا الطرح يعتبره بعض المحللين الاقتصاديين بأنه طرح ارثوذوكسي نيوكلاسيكي، قوامه رؤية نيوليبرالية. أما بالنسبة للوضع في المغرب، فقد بُني هذا الطرح على مجموعة من المغالطات، على اعتبار أنه بُني على تشريح خاطئ للوضع، وذلك لعدة اعتبارات، أولها يتمثل في عملية التشخيص، لان هذه الاطروحة، بُنيت على أساس ان مشكل التضخم الذي يعرفه المغرب سببه هو ارتفاع الطلب، وهذا غير صحيح، ومبني على تحليل يطبعه التناقض الصارخ، اذ لا يمكن في حالة اقتصادية متسمة بالركود، ان يكون فيها الطلب مرتفع، فهذا امر لا يستقيم، ويحمل في أحشائه تناقضات صارخة، تجمع بين ارتفاع الطلب، داخل وضع متسم بالركود. وهذا أمرٌ غير ممكن وغير معقول، على اعتبار أن جل المحللين الاقتصاديين اليوم، والذين ينظرون للاقتصاد بوجهة نظر رزينة وحكيمة ، يقولون بأن مشكل التضخم في المغرب ليس بمشكل الطلب، لان الطلب غير مرتفع، ولاننا نعيش حالة ركود، والتضخم الذي تعرفه بلادنا هو مستورد. وهذا ماذهب اليه البنك المركزي المغربي نفسه، اذ أكد على أن التضخم مستورد، وهو مرتبط بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار البترول والمواد الأولية في الأسواق الدولية، اذا مادام ان التضخم مستورد فما الجدوى من رفع سعر الفائدة ؟
أما فيما يتعلق بالسبب الثاني الذي اشار اليه البنك المركزي المغربي هو صدمة العرض الداخلي والمتعلق بالمنتوجات الداخلية. اذا مادام الامر يتعلق بمستوى انخفاض العرض ، فكيف لرفع مستوى سعر الفائدة سيؤدي لرفع مستوى العرض؟
أما اذا اردنا ان نتبع اتجاه النظام الأمريكي، فهو عندما يكون يعاني من مستوى ارتفاع التضخم، يكون لا يعاني من حالة ركود وانكماش اقتصادي، بل يعرف في نفس الوقت حركية اقتصادية كبيرة، حيث تكون البطالة منخفضة، في حدود 3,5 %، وفي هذه الحالة يكون المستهلك في وضعية نسبياً مريحة وتسمح له بالاستهلاك. الا أنه في المغرب لا يمكن الحديث عن حركية اقتصادية، والبطالة مرتفعة، والمستهلك في وضعية صعبة وهشة، وقدرته الشرائية مضروبة، فكيف ستقلص من القدرة الشرائية للمستهلك، برفع مستوى سعر الفائدة، وقدرته الشرائية أصلاً مضروبة؟
إن وضعية القدرة الشرائية في المغرب لا تشبه ولا تضاهي القدرة الشرائية للمستهلك لا في أمريكا ولا في أوروبا، وبالتالي هذا الاجراء سوف لا يسهم الا في تدهور الوضع وتأزيم الوضعية وفي ضرب القدرة الشرائية للمواطن، كما انه سيكون له انعكاسات سلبية على المستثمرين، وقد يكون من ضمن الأسباب التي ستؤدي الى ركود سريع، وانخفاض للطلب الداخلي على المنتجات والخدمات الداخلية، كما أنه سيزيد من معاناة المقاولات الصغيرة والمقترضين الخواص.
حاصل الكلام، إن قرار البنك المركزي برفع سعر الفائدة لن يحل مشكلة التضخم، بل بالعكس، اذ سيستمر الوضع كما هو عليه، وسيؤدي إلى انخفاض الاستهلاك والاستثمار، مما سينجم عنه انكماش اقتصادي وانخفاض في نسبة النمو، وارتفاع البطالة وحدوث ما يسمى “تضخما ركودياً”.
خلاصة القول، ان هذا المشكل ظاهره اقتصادي وتقني، لكن باطنه سياسي. فإرتفاع الأسعار لا يد للبنك المركزي عليه، فالحكومة هي المسؤولة عن السياسة المالية والضريبية ، وهي من ستحاسب، وتساءل وهي المسؤولة أمام المواطنين، لانها هي من تملك الشرعية الديموقراطية. فهي المسؤولة كذلك على ابتكار الحلول الناجعة للخروج من هذا الوضع، وهي من تقوم بالإجراءات الفعالة، وهي من تسعى الى تحفيز الاقتصاد وتحريكه.
يحي الصغيري
تعليقات ( 0 )