بوابة المغرب الشرقي
تضطلع الحركات الاجتماعية بالعديد من الأدوار المتمثلة أساسا في إحداث تغيير مجتمعي إيجابي يخدم مصالح المواطنين في قضية من القضايا التي تشغلهم وتحظى بمتابعتهم، وتختلف مستويات الحركات الاجتماعية بين الحركات المحلية والإقليمية والعالمية، وتحتاج الحركات الاجتماعية التي تسعى إلى تحقيق أهداف إنسانية محضة إلى كسب تأييد الحشود المدنية في مزج بين معياري التنظيم والتلقائية بعيدا عن منطق التأصيل والتنظير في طبيعة الأهداف والتغيير المنشود من الحركات الاجتماعية التي تنشئ على مبدأ الدفاع عن حقوق المواطنين وصون كرامتهم وكل ما له علاقة بالعدالة الاجتماعية في مواجهة مظاهر او تمظهرات الفقر والهشاشة والمعاناة التي قد تطغى على بيئة معينة.
تتنوع وتتعدد الحركات الاجتماعية التي نشأت عبر التاريخ بمختلف السياقات التي وردت فيها بعيدا عن التحليل الاستشرافي لتنظيمات وأفعال الحركات الاجتماعية كما قدمها ددييه لصاوت و حميدة حمومي، فقد انبثقت هذه الكيانات الاجتماعية كقيمة مضافة للعديد من النظريات التي كرستها مجموعة من التجارب الاحتجاجية الاجتماعية والتي تبنت عنوان الإصلاح والثورة والمقاومة والخلاص… اليوم تغيرت الأهداف والاستراتيجيات وأضحت جل الحركات الاجتماعية راديكالية بشعاراتها التي تنتصر فيها للتخريب الثوري بدل الإصلاح الاجتماعي لأن هاجس الحصول على السلطة والضغط بخلفيات أيديولوجية تنقلب على مبدأ إحداث أي تغيير اجتماعي وهو ما يطرح لدينا استراتيجية التلاعب المجتمعي، وتغيير الخط المرجعي للتأثير السلبي في المؤسسات الاجتماعية والنسيج الجمعوي باعتباره كيانا لا يتجزء عن المنظومة، هو ما يؤدي إلى فشل الحركة في اكتساب عدد كبير من المتعاطفين والمنتسبين لصفوفها، إلى جانب غياب المؤشرات ذات الدلالة على إمكانية إحداث التغيير المنشود عن طريق تغيير قلوب وعقول الأفراد والجماعات لكون أنه “لا يغير الله ما بقوم حتى يغيرو ما بأنفسهم”.
حركة 20 فبراير :
هي حركة اجتماعية انبثقت عن الحراك العربي الأمازيغي (الربيع الديمقراطي) الذي عاشته بعض الدول الشمال إفريقية-الشرق أوسطية سنة2011، كانت أبرز مطالبها الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لذلك كانت تتصف بنوع من الاستقلالية في غياب أي قيادة معلنة من طرف التكتلات التي دعت إلى تأسيس هذه الحركة الاجتماعية بغرض الدفاع المشروع عن كرامة المواطن المغربي بكل استقلالية وبعيدا عن الألوان السياسية والنقابية التي ركبت بعد مدة قصيرة عن الحركة وأهدافها الاجتماعية النبيلة مما زاد من تراكم المعضلات الاجتماعية رغم تجاوب المؤسسة الملكية مع بعض مضامين بيانها التأسيسي خصوصا الشق المتعلق بالتعديل الدستوري الذي جسد في تلك المرحلة الإرادة الحقيقية للشعب واختياراته بالإضافة إلى حل الحكومة والبرلمان…
لقد ساهمت الحركة الاجتماعية المذكورة في عودة الشباب للعمل السياسي وإحياء النقاش حول الإصلاح السياسي والدستوري، وهو ما جعلها عنوانا بارزا للإصلاح الفكري والمساهمة البناءة في معالجة الإشكاليات الاجتماعية المطروحة وإسنادها بحلول ومقترحات عقلانية وملاءمة لكن سرعان ما انحرفت هذه الحركة عن أدوارها ودخلت مكوناتها في صراع إيديولوجي هدام ظهر من خلال مواقف سياسية متطرفة، ومخالفة للأرضية التأسيسية، كالمطالبة بالملكية البرلمانية ومواقف أخرى لا تليق بتاريخ مملكة 12 قرن…
حركة 20 فبراير ببركان:
انطلقت الحركة الاجتماعية من بركان شأنها شأن باقي الأقاليم والجهات التي دعا من خلاله الفرع الأم للحركة إلى تنظيم مسيرات ووقفات تطالب بدورها بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، حافظت حركة 20 فبراير ببركان على إيقاع ترافعي سلمي يحترم جميع مكونات المجتمع البركاني ومؤسساته، حيث دام هذا الالتزام لست سنوات قبل أن تتحول هذه الحركة الاجتماعية إلى معمل للشعارات الراديكالية وجبهة تعادي سيادة الدولة وأجهزتها بل وتهدد أمنها العام، ويعود هذا الانفلات لافتقادها لرؤية سياسية واضحة ونسيج جمعوي منسجم، فكانت النتيجة ضعف الحركة وخفوت صيتها وفتور نشاطها وتشرذمها بشكل ملفت للأنظار، فهي تستلهم وتستوحي مشروعيتها من الزخم الذي لم يعد له أثر، ومن خلال كسب التأييد بصياغة فجة وبدائية لنداءات وبلاغات تدعو من خلالها المواطنين للنزول إلى الشارع والاحتجاج عن وضع اجتماعي معين قد تتوقف مطالبه وشعاراته عند الحد من غلاء المعيشة والرفع من الحد الأدنى للأجور.
ففي السنة “الذكرى” الماضية اجتمع النسيج الجمعوي ببركان مع ثلة من نشطاء هاته الحركة الاجتماعية للتنديد بغلاء المعيشة والارتفاع المهول لأسعار المواد الأساسية حتى تفاجئ النسيج الجمعوي بكل مكوناته أنهم وقعوا في فخ النداءات التي تضمنت عبارات تدغدغ مشاعر المواطنين وتشجعهم للنزول والدفاع عن حقوقهم، في الوقت الذي كان فيه بعض أعضاء الحركة يستعدون لرفع شعارات راديكالية تمس ثوابت الأمة وأمن وسلامة المواطنين خصوصا اللافتات التي كانت في الواجهة والتي تطالب بمحاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب خيرات الوطن، وإطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، والإدماج الفوري والشامل للمعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية “شعارات خارجة عن موضوع الوقفة والاحتجاج السلمي الذي يكفله الدستور”… فأين هو المعيار الأخلاقي في العملية الاحتجاجية، حينما تستغل هذه الحركة أطفالا قاصرين وتشحنهم بشعارات راديكالية تعادي التوجه العام للدولة وتهدد أمنها الداخلي، حينما تستدرج نساء لا علاقة لهن بالسياسة ولا النقابة ولا الحركة ليشاركن بأشكال احتجاجية هن لا يعلمن أسباب نزولها ولا مطالبها وهو استغلال بشع وضرب لمنظومة القيم الاجتماعية وشدود راديكالي سيقودنا لا محالة للتساءل حول ماهية النضال الراقي والمعيار الأخلاقي عند نشطاء هذه الحركة الاجتماعية التي سقطت في فخ نتمنى أن لا يتكرر مرة أخرى، فليس باستغلال معاناة المواطنين والضغط بشعارات عدائية ستحل مشكلة غلاء المواد الأساسية ومعضلة ارتفاع الأسعار…
تعليقات ( 0 )